حنين مشرد مبعد عن أرضه ـ جبرا ابراهيم جبرا
La Nostalgie D'Un Exilé - Djebra Ibrahime Djebra
"وديع عساف" أحد أبطال الرواية فلسطيني مشرد، أعزب، تجاوز الأربعين، يعمل في الكويت، وهو مسافر في السفينة من "بيروت" إلى أوربا يتذكر مسقط رأسه وملاعب طفولته التي أخرج عنوة منها:
"ما أقل ما يكفينا للمتعة! تلك المشاوير في شوارع " يافا"، أو في متاهات الصخر والزيتون المحيطة بالمدينة، هل جلست مرة يا عصام، تحت زيتونة هرمة، على الأرض الحمراء، والشوك يكاد يحيط بك، وكذلك الزهرات القلائل من الشقائق، أو ذلك"الحنّون" الأصفر الذي لم نعرف له اسما قط، لأن الفلاحين لم يسموه إلا بالحنّون، لك الله يازيتونات الطالبية، والقطمون والمصلبة، والوادي المسترسل إلى المالحة...تحتك تركنا جزءا من حياتنا، هبة وعربونا للعودة، تخرج إلى العالم، وترى الأشجار البواسق، والبساتين المنمقة والغابات الملتفة، ولكنها كلها لا تساوي غصنا معوجا واحدا من تلك الأشجار الغبراء المتباعدة، في تلك الأرض الصخرية الحمراء، التي تلقت قدميك كقبلات عاشق، وبانت كأنها تنتشر تحت جنبك إذ تضطجع عليها كأرائك الجنة. لعنة واحدة هي أوجع اللعنات: لعنة الغربة عن أرضك.
سل الفلسطينيين، سل الفلاح الذي يذكر تجرح قدميه على تلك الأرض كأنه يذكر لذة حياته الوحيدة، كأنه يقول إن حياته بعد أن أبعد عن أرضه، ما عادت حياة. هذا البحر الأزرق يتألق، غير مكترث غير حافل، أنا أعرف ذلك، لأنه يظن أنه يجمع حضارات الدنيا على شطآنه، ولكنه يحمل أيضا لطعات من شاطئنا تجعله على هذا التألق، هذا الحسن. أنا أحب البحر المتوسط، وأركب السفينة فيه، لأنه بحر الفلسطينيين، بحر يافا وحيفا، وبحر هضاب القدس الغربية وقراها، فأنت إذا صعدت هضاب القدس ونظرت غربا، لن تعرف أين تنتهي الأرض، وأين يبدأ البحر، أين يلتقي الاثنان بالسماء، فهي ثلاثتها متداخلة متمازجة، ومتماثلة. هذه الزرقة هي الشيء الوحيد الذي يلطف من غربتي، كأنني بها أتصل بأرضي من جديد، كأنني بها أعود إلى "بركة السلطان" فأراها قد اتسعت وامتدت وفاضت أنهرا وشلالات دافقة"
السفينة ص 22
" بركة السلطان": بركة تتجمع فيها مياه أمطار الشتاء خارج سور القدس.
الأسئــلة :
1- لماذا كانت أشجار وبساتين وغابات العالم لا تساوي غصنا معوجا واحدا من أشجار أرض الراوي؟ وهل تحس بنفس الشعور نحو وطنك. وضح وعلل.
2- لماذا اعتبر الراوي الغربة لعنة؟
3- كيف أبعد الفلسطينيون عن أرضهم وشردوا؟ ومن تسبب في محنتهم؟ ومتى؟
4- ما خصائص أسلوب الكاتب؟ وبم تتميز لغته؟
5- ما العواطف التي يثيرها فينا هذا النص نحو الراوي ونحو الأمكنة؟
من كتاب "مواضيع الحرية وحقوق الإنسان"